1) حاضرة أسا في عمقها التاريخي:
لئن كانت بعض المصادر تؤكد أن الصحراء منطقة خالية "لا قرية فيها ولا ساقية، وإنما ينزلها أهل المواشي، فيسيمون أنعامهم بواديها وبواديها"، فإن ذلك لا ينسحب بالمرة على حاضرة اسا التي شهدت بواكير التحضر في سياق تسمه البداوة غالبا، إذ بدأ الاستقرار بها منذ عهود قديمة يرجعها البعض إلى ماقبل التاريخ، ولعل الشواهد التاريخية القائمة و المنتشرة بالمنطقة كالنقوشات الصخرية والمواقع الاثرية تؤكد هذا العمق التاريخي، فضلا عن تلك الدور المنتصبة على طول الوادي و فوق النتوء الصخري التي تعكس الزخم الحضاري بالمنطقة المتميز بالتنوع والتفرد، بشكل يشي بغنى هذا التراث المادي الذي تختزله أساسا معلمتها التاريخية ( القصر أو الغور) بأزقتها الضيقة ودورها وأبوابها( الأبراج) والصرح الحضاري للزاوية .
2) حاضرة أسا والإشعاع الاقتصادي لموسمها :
إذا كان الاستقرار باعثا على التراكم وشرطا له، فإن حاضرة اسا قد استفادت من موقعها الاستراتيجي داخل المسلك التجاري الرابط بين وادي نون وتندوف في احتضان أنشطة تجارية مهمة، بلغت أوجها منذ القرن 8ه/14م مع بداية تنظيم الموسم الديني والتجاري لزاوية اسا، وهو ما أعطى للموسم إشعاعا بالغا جعل المنطقة تنخرط في علاقات تجارية واسعة عبر استقطاب البدو والتجار من شمال وجنوب الصحراء، ومع توالي السنين تحول هذا الموسم الضارب في القدم إلى حافظ للذاكرة الجماعية، وضامن للاستمرارية والتواصل بين مختلف الأجيال بالنظر إلى ما يحبل به من تراث شفوي لامادي متدرج في شكل طقوس وعوائد دابت قبائل الصحرء على تمثلها في إطار ديني .
3)حاضرة أسا وإشعاعها الديني :
ذلك أن هذا التراث الشفوي المصطبغ بالطابع الديني قد ارتبط بتطور التصوف بالمنطقة التي كانت خلوة لعدد من رجالاته، ولعل هذا ما كان الباعث على تسميتها ب"قرية الاولياء" أو "بلاد الأمان"، حيث أن هذه التسميات تستند إلى كثرة الاولياء والصلحاء وغنى الذاكرة الشعبية التي تنسب للمنطقة الكرامات والخوارق، وتتخذ هذه القداسة أبرز تجلياتها في الزاوية التي حولت بلدة أسا إلى مجال للقداسة.
4) موسم اسا: العمق التاريخي
تسكت الدراسات على قلتها عن الموسم باستثناء بعض الإشارات العرضية التي لا تذكر شيئا عن بداية هذا الموسم الذي يبدو انه ارتبط بالزاوية مما يجعلنا نفترض ان تكون بدايته مع القرن 14م/8هـ تزامنا مع تاسيس الزاوية الذي ارتبط بالولي ايعزى ويهدى المتوفي سنة 1328 كما ورد لدى المختار السوسي خاصة مع ورود بعض الاشارات التي تؤكد ان تخليد الموسم جاء احياء لذكرى الشيخ المؤسس الذي صادفت وفاته عيد المولد، كما ان هذا السياق التاريخي تميز بتشجيع المرينين للزوايا والمواسم الدينية، وهي المؤشرات التي يؤكد استنطاقها ما ذهبنا اليه من كون بداية الموسم تزامنت مع القرن 14م، مما يجعله من اقدم المواسم التجارية بالمغرب عموما وبالصحراء بشكل خاص.
واذا تجاوزنا هذا الموقف الذي نميل الى تبنيه وردت بعض الدراسات التي تذهب الى ان بداية الموسم تتجاوز تاريخ تاسيس الزاوية و ترجعه الى التريخ القديم، وهو الموقف الذي ورد لدى مصطفى نعيمي الذي يربط بين بداية الموسم والانشطة التجارية التي اقامها الفنيقيون في اطار "سوق الاكيال" وهو في ذلك يتبنى بعض التصورات التي قدمتها بعض الدراسات الكولونيالية، وهو ما ينسجم مع ما يؤكده المعطيات التاريخية التي تثبت كون التجارة شكلت العصب الأساسي في إزدهار الفنيقين و من بعدهم القرطاجيين، الا انه واذا اقرينا بوجود انشطة تجارية قوية للفنيقين يحتمل ان تكون للمناطق الجنوبية مساهمة فيها الا انه من غير المرجح أن تكون هناك علاقة بين سوق الاكيال والموسم الديني، بحيث لا يمكن اعتبار هذا الاخير امتدادا للأول، مما يجعلنا نرجح التصور الذي يربط بين الموسم وتأسيس الزاوية.
5) موسم أسا وادواره التجارية
لم تول الدراسات اهمية تذكر لموسم زاوية اسا عدى ما ورد لدى دوفورست من ان حاضرة اسا كانت تحتضن موسما دينيا وتجاريا لمدة ثلاث ايام يتم بتزامن مع عيد المولد النبوي الشريف ويستقطب التجار من مختلف مناطق المغرب وافريقيا الغربية والجزائر، كما يتدفق عليه البدو الذين تشكلهم مناسبة الموسم فرصة للتزود بما تحتاجه " الخيام والفريك" لمدة طويلة في سياق تسمه البداوة ويتسم بقلة الضروريات التي توفرها الاسواق البعيدة جغرافيا والتي تشد القوافل لها وتستغل في تسويق جزء من القطيع من الغنم او الابل، لتوفير الموارد المالية الكفيلة بشراء اللوازم، حيث تشير المصادر الى وجود مكان مخصص للماشية في الموسم.
كما تؤكد المصادر احتضان للموسم لبعض التجار من اليهود الذين كانوا يعرضون بضائعهم في الموسم في مكان خاص، حيث يشغلون الطريق المودية إلى الموسم
6) الادوار الاجتماعية للموسم:
تجاوز الموسم الصبغة الدينية والتجارية ليتخذ صبغة اجتماعية جسدها دوره كمناسبة
لتوافد القبائل من مختلف المناطق وصلة الرحم وعقد اللقاءات لفض النزاعات وعقد التحالفات والبث في قضايا كل قبيلة من امور السلم والحرب، فقد تحدث دوفورست عن الموسم الذي يتم بالموازاة معه تشكيل اجماعة، حيث أثار انتباه المعمرين اعتماد اجماعة من لدن قبائل الصحراء في تدبير شؤونها الداخلية، حيث يؤكد دوفورست أن « أفراد أيتوسى الحاضرين بالموسم السنوي، ينتخبون جماعة، هي أيت الاربعين، و يجعلون على رأسها مقدما»، حيث ينتدب كل فرع ممثليه الذين يرتضيهم، ويشكل الاحتفاء بعيد الموسم النبوي واجتماع القبيلة بزاوية اسا مناسبة للبث في تشكلة المجلس لتجديده او تطعيمه او تغيير بعض اعضائه، الى جانب حل النزاعات بين الافراج والقبائل باستغلال هذا المناخ الديني والطقوسي الذي يضفي على الموسم وطقوسه هالة من القداسة تسعف في خلق نوع من التقارب في سياق دغى عليه الصراع والتوتر نتيجة للصراعت بين القبائل التي اطر معضمها علاقاته مع محيطه القبلي على اساس الصراع على الموارد، فساهمت الزاوية وما يواكبها من مواسم دينية في بث نوع من الحميمية وخلق السلم واحتواء اسباب الصراع والعداء، فكان للفقهاء والصلحاء دور مهم في التوسط لتحقيق ذلك.
وبالنسبة لموسم اسا رافقت الموسم بعض الطقوس التي اتسمت بحمولتها الاجتماعية كماهو الشأن بالنسبة للنحيرة التي تقدمها قبائل ايتوسى بالتناوب في كل سنة بتزامن مع عيد المولد من كل سنة، والتي تهدف الى اطعام عابري السبيل
من ضيوف وطلبة وفقراء،و يتم تقسيمها
7) الصبغة الدينية لموسم اسا:
والى جانب دورها الديني شكل الموسم التجاري الذي يقام سنويا و المسمى "أموكـــــــــــــــــار" حلقة وصل بين الجنوب"السينغال تنبكتوا" و المراكز الشمالية كإيليغ و الصويرة و مراكش، و يعتبر هذا الموسم على غرار باقي مواســـــم واد نون مناسبة لتبادل السلع و الأفكار، و ينعدم حينها حمل السلاح، و أهم ميزة يتسم بها أنه يكتسي صبغة تجارية و دينية في آن واحد، تتمثل على المستوى الديني في إحياء ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه و سلم و مناسبة لإشباع الجانب الروحي من خلال التراتيل الدينية و تلاوة القرآن و إسداء المواعظ و كذا قراءة بعض النصوص الدينية، والتبرك بالاولياء والصلحاء الدين توجد مزاراتهم الكثيرة بالمنطقة التي تعرف بقرية الاولياء وبلاد 366 وليا صالحا.
8) الموسم والزاوية: اية علاقة؟
لقد لعبت الزوايا دورا مركبا شاملا، حيث تجاوزت الجانب الى الاجتماع8ي والسياسي والاقتصادي، وفي هذا الاطار شكل الموسم النشاط التجاري لزاوية اساوالذي يرتبط في نشاته وانشطته المختلفة بالزاوية التي استفادت من هذه الانشطة من الموارد المالية الكبيرة التي تضخها هذه الانشطة في ميزانية الزاوية في شكل موارد و هدايا وصدقة
وهي علاقة تتجاوز موسم زاوية اسا الى باقي المواسم التي ارتبطت في نشاتها بالزوايا .
9)موسم زاوية اسا: الواقع والرهانات:
يستمر موسم اسا حافضا للداكرة الجماعية لاهل الصحراء بما يحب لبه من تراثا شفويا ومادي تمثله الخيام والابل والطقوس البدوية، الى جانب التراث المادي الذي يحيط بالموسم من قصر وزاوية ومساجد ودور قديمة، بما يجعل الموسم وثيقة تاريخية ووعاءا لثقافة اهل الصحراء، الا انه يسير في اتجاه التلاشى بما تحمله نسخه الاخيرة من تحديث مشوه يفرغ الموسم على نحو تدريجي من محتواه الثقافي والديني والتجاري وحمولته التاريخية بتحوله الى يغلب عليه طابع الفرجه، مما يفرض البحث في سبل بعث هذا التراث والحفاظ على على طابعه المميز.
إن هذا التراث المادي والشفوي اللامادي الغني والمتنوع المرتكز على عمق تاريخي يجعله لا محالة أولى بالتأهيل والاستثمار في المجال التنموي، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المنطقة لم تكن يوما أرضا خالية موحشة بقدر ما عرفت وجودا حضاريا يتميز بالتراكم والإنتاجية، فضلا عن إشعاع جعلها تربط ضفتي الصحراء، وهذا ما يستوجب العمل على أن تتبوء هذه الحاضرة وموسمها مكانتهما كتراث انساني، وذلك ما يفرض شحذ الهمم وتضافر الجهود لتحقيق هذا المسعى.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire