الرئيسية » , , » مؤشرات على الدور الحضاري للزوايا في الصحراء: نموذج زاوية اسا

مؤشرات على الدور الحضاري للزوايا في الصحراء: نموذج زاوية اسا



مؤشرات على الدور الحضاري للزوايا في الصحراء: نموذج زاوية اسا
الدكتور: محمد بوزنكاض


مقدمة :


يشكل التصوف مكونا أساسيا في البناء الثقافي للهوية الاسلامية باعتبار دوره في صياغة الأنساق الفكرية وتوجيه التاريخ الاجتماعي والسياسي لمجتمعاتها، وفي هذا الإطار شكلت الصحراء مجالا خصبا لنشاة وتطور الحياة الصوفية، حيث وفرت شروطا جعلتها مستقطبا للاولياء والمتصوفة ومجالا لتطور قيم الولاء والصلاح والكرامات وغيرها من القيم التي ارتبطت بمعجم التصوف.
وانسجاما مع هذه المعطيات وما تفرضه شكلت واحة أسا مجالا لتطور القداسة بالنظر للعدد الكبير من المتصوفة الذين جعلوا من المنطقة مستقرا لهم والإشعاع الذي تأتى لزاويتها وما تحقق للمنطقة في مجال الكرامات بشكل أضفى خصوصية على المنطقة التي أسهمت زاويتها بأدوارها في إنضاج شروط الاستقرار والتراكم وما يرادفه من تطور حضاري شامل تشكل هذه القداسة شرطا ومظهرا له في الآن نفسه.


حاضرة أسا في عمقها التاريخي
لئن كانت بعض المصادر تؤكد أن الصحراء كانت منطقة خالية "لا قرية فيها ولا ساقية، وإنما ينزلها أهل المواشي، فيسيمون أنعامهم بواديها وبواديها"[1]، فإن ذلك لا ينسحب بالمرة على  حاضرة اسا التي شهدت بواكير التحضر في سياق  تسمه البداوة غالبا،  إذ بدأ الاستقرار بها منذ عهود قديمة يرجعها البعض إلى ماقبل التاريخ، ولعل الشواهد التاريخية القائمة و المنتشرة بالمنطقة كالنقوشات الصخرية والمواقع الأثرية تؤكد هذا العمق التاريخي، فضلا عن تلك الدور المنتصبة على طول الوادي و فوق النتوء الصخري التي تعكس الزخم الحضاري المتميز بالتنوع والتفرد بالمنطقة، بشكل يشي بغنى هذا التراث المادي الذي تختزله أساسا معلمتها التاريخية ( القصر أو الغور) بأزقتها الضيقة ودورها وأبوابها( الأبراج) والصرح الحضاري للزاوية.
2)   زاوية أسـا: مرتكزات المشروعية الدينية
وانسجاما مع العمق التاريخي والغنى الحضاري كان اسهام الزاوية الدينية التي احتضنتها اسا كبيرا في التطور الذي عرفته الحاضرة على مختلف المستويات، حيث استفادت الزاوية من عناصر المشروعية التي تضافرت لها بما يتناغم مع البناء الإيديولوجي الذي ينسجم مع التجربة الصوفية، فقد زود الشيخ المؤسس اعزى ويهدى الزواية بما يحقق لها المكانة الدينية والإشعاع العلمي والامتداد الاجتماعي والتأثير السياسي، إلى جانب العمق التاريخي، حيث تأسست الزاوية في مطلع القرن الثامن الهجري/الثالث عشر ميلادي بدليل أن وفاة الشيخ اعزى كانت في أول ربيع سنة 727ه/1328م[2] ودفن في بقعة بخلوته في زاويته[3].
لقد شكلت الزوايا ظاهرة نمطية في تاريخ المغرب من خلال الاضطلاع بالوظائف ذاتها والارتكاز على نفس أسس المشروعية التي تستوعبها الشخصية المؤسسة الذي تشكل حياته مرحلة تتضافر فيها مقومات القداسة وشروط الفعل السياسي والتأثير الاجتماعي، وذلك بما ينسب للمؤسس من  شرف وجهاد وكرامات، وهو الأمر الذي توفر لزاوية اسا التي ارتبط تأسيسها بالشيخ المؤسس اعزى ويهدى(ت727ه/1328م ) الذي زودها بالحمولة الصوفية التي تتخذ جزءا من تجسيدها في الكرامات التي أسدلت على الشيخ اعزى مثل صناعة البارود، حيث كان "أول من أحدث صناعة البارود وغيرها من المكاحل من جميع الالات"[4] .
إن صعوبة التوظيف التاريخي لهذه الكرامات لا ينفي أهمية هذا البعد الميتولوجي في مقاربة الظواهر ذات العلاقة بالتصوف ودور الكرامات والأولياء الذين تنسبهم الدراسات والروايات المتواترة والمشهورة للمنطقة بشكل يجعل تاريخ المنطقة يصطبغ بطابع القداسة التي خصت بها الدراسات اسا وأسهمت في الإشعاع والازدهار الذي عرفته في سياق تمثله الصحراء والذي تنتفي معه نظريا شروط التراكم على مختلف المستويات.
كما توفرت للشيخ المؤسس مشروعية عرقية تتجلى في النسب العربي القرشي الذي تؤكده رواية محمد سعيد المرغيثي أحد أفراد أسرة الشيخ، التي نقلها السوسي، الذي يذهب إلى أن الشيخ اعزى يتصل نسبه بابي بكر الصديق، فهو محمد بن موسى بن أبي يوسف بن عيسى بن صالح بن زيد بن ابراهيم بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن جعفر ...وصولا إلى ابي بكر بن الصديق[5]، في الوقت الذي تضفي بعض الدراسات الشرف على هذا الولي الصالح[6].
وبذلك توفرت لهذا الولي الصالح مقومات المتصوف الورع الذي استوعب من عناصر الشرف والصلاح والولاء والجهاد ما يرتقي به في مصاف رجالات المنطقة فأورث هذه المقومات لزاويته بشكل مكنها من الاضطلاع بادوار حضارية كبيرة عبر الدينامية الفكرية والروحية والاقتصادية التي أعطتها للمنطقة من خلال شرط القداسة التي أضفتها على المجال وحولته إلى بقعة للاستقطاب وللاستقرار في مجال تطغى عليه البداوة.
3)  الزاوية في علاقتها بالتطور العمراني بحاضرة اسا
إن ما يميز زاوية اسا هو أنها نشأت في سياق سوسيومجالي متفرد جعلها من أقدم الزوايا بالصحراء، فوفرت بذلك للمنطقة شروط التطور على مختلف المستويات بما أضفته من قداسة شكلت أرضية للتطور المعماري الذي تعتبر الزاوية بصرحها الحضاري مظهرا له، فإلى جانب القصر الذي تطور فوق المرتفع الجبلي، وشكل النواة الأولى للحاضرة، ساهم تأسيس الزاوية داخل الواحة في إعطاء دفعة جديدة للتطور المعماري باسا، حيث استقبلت المنطقة المريدين والطلبة الذين كونوا إلى جانب اسرة الشيخ اعزا تجمعا سكنيا في شكل قصبة حملت اسم " الخربة"، والتي أشرت على بداية تحول العمارة نحو المنخفض بعدما كانت متمركزة في المرتفع بالقصر.
لقد استقرت زاوية اسا في منطقة صحراوية تحيط بها كتلتين جبليتين ووسط تجمع قبلي بما ينسجم مع طبيعة التواجد الوظيفي للزوايا التي تسهم عبر تدخلاتها في فض النزاعات القبلية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل يمكن من احتواء أسباب الاحتقان والتوتر القبلي و يوفر الأمن كشرط ضروري للاستقرار وتطورالعمارة المفضي إلى التراكم على مختلف المستويات، حيث ترتب عن احتضان الزاوية انتقال توسع الحاضرة إلى خارج القصربما أعطى دفعة جديدة لتطور المدينة كحاضن لهذا الفعل الحضاري الذي أسهم فيه احتضان المنطقة للزاوية بقسط كبير منه، حيث اتخذ الشيوخ والمريدين دورا لهم بمحاذاة الواحة وخلق أبناء الشيخ تجمعا سكنيا لهم في قصبتهم التي عرفت بالخربة والتي تعرضت للاندراس في شروط تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول مصير هذا التراث المادي التي تزخر به المنطقة.
لقد ترتب عن الأمن الذي وفرته الزاوية خلق دينامية عمرانية مواكبة للفعل الثقافي والاقتصادي المرتبط بها، حييث إن الاستقرار في السفح وبمحاذاة الواحة يعزى إلى انتهاء الحاجة للنظام الأمني الذي يوفره تموقع القصرفوق النتوء الصخري بأبراجه واحتياطاته الأمنية والطبيعية، بما رافقه من توافد واستقرار للبدو والتجار خاصة من اليهود الذين أسهموا في تطور واحة اسا في العمارة بإنشاء دورهم ومتاجرهم وعبر انشطتهم التجارية التي احتضن موسم اسا جزءا منها، حيث كانوا يعرضون بضائعهم في مكان خاص بالطريق المودية إلى الموسم[7]، في إشارة إلى تقاليد اسلامية راسخة تقوم على عزل اليهود في سكناهم وتجارتهم ومنعهم من مخالطة المسلمين.


4)  الزواية في علاقتها بالتطور العلمي والاقتصادي لحاضرة اسا


اضطلعت زاوية اسا بادوار علمية كبيرة خاصة في حياة الشيخ المؤسس فقد تحدث اتيليو كوديو Atilio Gaudio  عن دور الشيخ اعزا ويهدى " و تفوقه في أمور الدين مما جعل مجموعة من التلاميذ يقدمون عليه من الحوز ومراكش وجبال الأطلس بسوس وبعض الصحراويين من توات ويشير أيضا إلى أن السلطة الفكرية لزاوية أسا فاقت مثيلتها بزاوية أبي عبد الله محمد بن عمر الاسريري، وبقي إشعاعها قويا إلى اليوم[8].
وقد بلغ الإشعاع العلمي لزاوية أسا مداه مع أبناء الشيخ اعزا الذين تفرقوا ايدي سبأ على اثراندراس قصبتهم باسا، حيث ورد لدى المختار السوسي " أن الأسرة الوهداوية (نسبة إلى الشيخ اعزا ويهدى)... تفرعت فروع  شتى عن هذه الأسرة التي نسبها إلى أبي بكر الصديق وكما زخرت بالعلماء زخرت بالرؤساء، وهم كثيرون من علماء وصلحاء ورؤساء كأهل تادرارت ورؤساء بنيران مجاط"[9]، في أشارة فريدة إلى انتشار إشعاع الشيخ اعزى وزاويته عبر ابنائه الذين توزعوا في مختلف البقاع ونقلوا بذلك أوراد وعلم الشيخ المؤسس، وحافظوا على علاقاتهم بالزاوية الأم في أسا، فشكلوا رسل لها بمختلف الأصقاع خاصة بالجنوب المغربي.
إن صعوبة تتبع مظاهر الفعل الثقافي بالزاوية نتيجة لضعف المادة المصدرية  لا تنفي امكانية التقاط شواهد على قيام هذا الدور العلمي الذي يتراءى من خلال عرض بعض التراجم للعلماء الذين تلقوا تكوينهم بالزاوية كماهو الشأن بالنسبة للشيخ محمد بن أحمد بن الحسين الذي تلقى بعض القرآن في زاوية أسا عند الأستاذ علي بن العربي الاساوي، ثم عند الأستاذ الحسن بن إبراهيم الاساوي[10]، كما ذكر صاحب "المعسول" عددا من الفقهاء مثل علي بن العربي الذي كان يتقن القراءات السبع وكان مباركا معتقدا، تخرج كثيرين على يده في القراءات و حفظ القرآن توفي نحو 1338هـ وهو يبلغ من العمر 80سنة[11] وغيره، مما يؤشرعلى نشاط الحياة العلمية التي احتضنتها زاوية اسا التي انخرطت في إطار شمولي بصيتها الذي طبق الافاق نتيجة لاستقبال المريدين وانتشار أفراد أسرة الشيخ اعزا وايهدى، مما يفسر ما نذهب إليه من القول بضياع التراث العلمي المكتوب للزاوية بالنظر لهذا الأوضاع العلمي الذي يستبعد إلا يكون له أثار مكتوبة، وكذا طبيعة الأزمات التي تعاقبت على الزاوية والهجرة القسرية التي فرضت على ذرية الشيخ المؤسس.
لقد تأتى لزاوية اسا الاضطلاع بأنشطة علمية وثقافية كبيرة ونوعية استقطبت المريدين من الطلبة والشيوخ، فأسهمت بذلك في إفراز دينامية ثقافية وعمرانية متميزة في سياق بدوي تنذر فيه الحواضر والتجمعات السكنية، كما اتخذ هذا الفعل الحضاري تجسيده المادي من خلال الإشعاع الذي ترتب عن الأنشطة الثقافية والدينية للزاوية.


5)  الدورالاقتصادي لزاوية اسا وإشعاع موسمها الديني :
 إذا كان الاستقرار باعثا على التراكم وشرطا له، فإن حاضرة اسا قد استفادت من موقعها الاستراتيجي داخل المسلك التجاري الرابط بين وادي نون وتندوف في احتضان أنشطة تجارية مهمة[12]، بلغت أوجها منذ القرن 8هـ/14م مع بداية تنظيم الموسم الديني والتجاري لزاوية اسا، وهو ما أعطى  للمنطقة إشعاعا بالغا جعلها تنخرط في علاقات تجارية واسعة عبر استقطاب البدو والتجار من شمال وجنوب الصحراء، ومع توالي السنون تحول هذا الموسم الضارب في القدم إلى حافظ للذاكرة الجماعية، وضامن للاستمرارية والتواصل بين مختلف الأجيال بالنظر إلى ما يحبل به من تراث شفوي لامادي متدرج في شكل طقوس وعوائد ذابت قبائل الصحرء على  تمثلها في إطار ديني .
وعلى الرغم من هذه الأهمية تسكت الدراسات على قلتها عن الموسم باستثناء بعض الإشارات العرضية التي لا تذكر شيئا عن بداية هذا الموسم الذي يبدو انه ارتبط بالزاوية مما يجعلنا نفترض ان تكون بدايته مع القرن 14م/8هـ  تزامنا مع تأسيس الزاوية الذي ارتبط بالولي اعزى ويهدى المتوفي  سنة 1328 كما ورد لدى المختار السوسي[13] خاصة مع ورود بعض الإشارات التي تؤكد أن تخليد الموسم جاء إحياء لذكرى الشيخ المؤسس الذي صادفت وفاته عيد المولد، كما أن هذا السياق التاريخي تميز بتشجيع المرينين للزوايا والمواسم الدينية، وهي المؤشرات التي يؤكد استنطاقها ما ذهبنا إليه من كون بداية الموسم كانت في القرن 14م، مما يجعله من أقدم المواسم التجارية بالمغرب عموما وبالصحراء بشكل خاص.
وإذا تجاوزنا هذا الموقف الذي نميل إلى تبنيه فقد وردت بعض الإشارات التي تذهب إلى أن بداية الموسم تتجاوز تاريخ تأسيس الزاوية و ترجعه إلى التاريخ القديم، وهو الموقف الذي ورد لدى مصطفى نعيمي في ربطه بين بداية الموسم والأنشطة التجارية التي أقامها الفنيقيون في اطار "سوق الاكيال"، وهو في ذلك يتبنى بعض التصورات التي قدمتها بعض الدراسات الكولونيالية،  بما ينسجم مع ما تؤكده المعطيات التاريخية التي تثبت كون التجارة شكلت العصب الأساس في ازدهار الفنيقين و من بعدهم القرطاجيين[14]، إلا أن الجزم بوجود أنشطة تجارية قوية للفنيقين يحتمل أن تكون للمناطق الجنوبية مساهمة فيها لا يكفي للقيام بنوع من الربط بين  سوق الاكيال والموسم الديني لاسا، بحيث لا يمكن اعتبار هذا الأخير امتدادا للأول، مما يجعلنا نرجح التصور الذي يربط بين الموسم وتأسيس الزاوية.
لم تول الدراسات أهمية تذكر لموسم زاوية أسا عدى ما ورد لدى دوفورستDe Furst   الذي يربط بين الموسم والزاوية في حديثه عن  كون حاضرة اسا كانت تحتضن موسما دينيا وتجاريا لمدة ثلاث ايام يتم بتزامن مع عيد المولد النبوي الشريف ويستقطب التجار من مختلف مناطق المغرب وافريقيا الغربية والجزائر[15]، كما يتدفق عليه البدو الذين يشكل لهم الموسم مناسبة  للتزود بما تحتاجه " الخيام والفريك" لمدة طويلة في سياق تسمه البداوة ويتسم بقلة الضروريات التي توفرها الأسواق البعيدة جغرافيا، والتي تشد إليها القوافل وتستغل في تسويق جزء من القطيع من الغنم أو الابل، لتوفير الموارد المالية الكفيلة باقتناء اللوازم، حيث تشير المصادر إلى وجود مكان مخصص للماشية في الموسم.
وعموما فقد لعبت التجارة خاصة في اطار الموسم الديني للزاوية دورا أساسيا في نشأة وازدهار
حاضرة اسا في سياق تقل فيه المدن، بدليل تراجع مكانتها بسبب بروز نون لمطة وتطورها على حساب اشعاع موسم اسا[16] الذي استمر وامن بشكل اقل
) الأدوار السياسية لزاوية أسا6
لم تخرج الزوايا في الصحراء عن الواقع والضوابط التي صاغت الإطار العام الذي تتشكل فيها الزوايا، سواء في نشأتها أو تواجدها وفعلها الوظيفي، فشكلت رعاية الحياة العلمية والدينية وما ترتب عنها من امتداد اجتماعي مفسرا للدور السياسي الذي اضطلعت به الزوايا في توجيه الحياة السياسية بالأوساط الصحراوية عبر دور هذه الزوايا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتفعيل دور الوساطة بين القبائل والأفراد بهدف حل النزاعات الداخلية واحتواء مسبباتها، وفي هذا الاتجاه  نجد لدى إرنست كلنيرGellner ما يبرر هذه السياسة على المستوى النظري، حيث تتشابه أدوار الزوايا في الصحراء عبر شيوخها ومريديها مع ما يقوم به الصلحاء من وساطة وحل للنزاعات والإشراف على الطقوس الدينية وتأطير الممارسات الاجتماعية للقبائل بإطارها الديني، ومن ثم فإن شريحة الصلحاء تمارس الرقابة الدينية والأخلاقية على أفراد القبيلة الواحدة[17]، وهو ما نجد انه ينسحب على زاوية أسا التي  تتجلى أدوارها في إقرار الأمن كشرط للاستقرار، في إضفاء طابع القداسة الذي يصبح معه حمل السلاح من الأشياء المستبعدة، حيث يحرم حمله أيام الموسم التي تستحيل أيام حرم في مقابل التحريض على صلة الرحم والتواد، والعمل على إصلاح ذات البين بين الإخوة وأبناء العمومة، مما يفسر كثرة اللقاءات التي تعقدها المكونات والعشائر المكونة لفسيفساء المجتمع.
 وبالموازاة مع دورها في توجيه الحياة الاجتماعية بالمنطقة كانت لزاوية اسا ادوار سياسية تتجلى أساسا في الموسم الذي يتحول إلى مناسبة لعقد التحالفات وتسوية النزاعات والبث في التوازنات المحلية بل وفي قضايا التنظيم الداخلي للقبائل المستوطنة للمجال، وفي هذا الإطار ورد لدى دوفورست De Furst   أن " أفراد أيتوسى الحاضرين بالموسم السنوي، ينتخبون جماعة، هي أيت الاربعين، و يجعلون على رأسها مقدما"[18]، و يضيف أن المقدم يكون بالضرورة من عشيرة أيت وعبان، اعتبارا لقوتهم العددية، وهو وقتَ كتابة الوثيقة المتداولة اليوم أي سنة ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف هجرية  كان المقدم سالم بن مبارك بن اعلي،  من فرقة أهل لكتيف فخذة أيت وعبان، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية هذا التنظيم الاجتماعي في تدبير مختلف قضايا هذه القبائل، يتأتى لنا استيعاب حجم الأدوار التي تضطلع بها زاوية اسا وموسمها الديني في المنطقة، وما يترتب عن ذلك من استقرار سياسي وتنظيم اجتماعي يشكل شرطا للاستقرار والتطور الذي عرفته المنطقة.
وتتداخل في الحديث عن زاوية اسا الحقيقة بالاسطورة من خلال ما تسدله على الزاوية من ادوار جهادية لا تصمد أمام الوقائع التاريخية ولكن إيرادها والتأكيد عليها يحقق بالضرورة اهدافا تنسجم مع المكانة التي يوليها المتصوفة للجهاد الذي تكتمل به مقومات المشروعية ويحقق الامتداد الاجتماعي خاصة وأن المغرب تميز خلال هذه المرحلة بتكالب الايبيرين (الاسبان والبرتغال)، وبدوره لم يخرج الشيخ اعزى ويهدى عن  هذا الإطار، حيث تتناقل الروايات الشفوية والكتابات القليلة الموجودة خبر انخراطه في الدعوة للجهاد و التجييش ضد المسيحيين، كما جاهد ابناؤه وحفدته فحاربوا النصارى ومن والاهم في كل المناطق الممتدة من وادي درعة إلى زاكورة كما ورد لدى المرغيثي في ترجمته الذي اعتمده صاحب المعسول في التعريف بالشيخ اعزى ويهدى[19]. 
لقد خضعت ادوار الزوايا لمتغيرات مختلفة استوعبت فيها التحولات التاريخية وتكيفت مع الوقائع التي تخترق التاريخ المحلي، لذلك فقد كانت فترة حياة الشيخ المؤسس مرحلة القوة والإشعاع في تأثير الزاوية، لتدخل مرحلة الأفول لفترة طويلة توجت بعودة الفاعلية السياسية من جديد عندما ارتبطت الزاوية بقبائل ايتوسى وتحولت إلى أداة لإضفاء المشروعية الدينية على هذه المكونات وتناسلت فروعها بالموازاة مع الانتشار المجالي للقبيلة، بشكل استحالت معه أداة لترجمة الثقل الديمغرافي والامتداد الجغرافي، ويتحول الموسم الذي تتوافد فيه مكوناتها إلى مناسبة لتقوية عصبية ولحمة هذه القبائل وظهورها بمظهر الوحدة أمام محيطها القبلي بما ينسجم مع التفسير الانتربولوجي الذي يرى قوة القبيلة في تماسكها وسعيها لخدمة هذه النعرات، وذلك ما يحققه الشرف والزوايا بنفس القوة التي يحققه فيها النسب الذي يراد منه


خاتمة:


لقد استمدت شخصية الولي الصالح اعزا ويهدى مكانتها وقوتها من ما تضافر له من نسب عربي قرشي وكرامات وما اضطلع به من أدوار دينية وسياسية خلدت لها زاويته التي أضفت دينامية على تاريخ المنطقة.
و تشكل دراسة شخصية الشيخ اعزى ويهدى الصوفية مناسبة لدراسة التاريخ المحلي لحاضرة أسا باعتبار ارتباط نشأة وتطور هذه الحاضرة بهذا الولي الصالح ونشاطه الصوفي الذي توج بتأسيس صرح ديني مثلته الزاوية التي ساهمت بأدوارها الدينية والاقتصادية والاجتماعية في تطور وازدهار حاضرة أسا وإشعاعها الذي توغل في السودان الغربي وشمال افريقيا، وهو الدور الحضاري الذي ينسحب على باقي الزوايا بالصحراء والتي اضطلعت به في مختلف المدن، كما هو الشأن لارتباط حاضرة السمارة وازدهارها بزاوية الشيخ ماءالعينين وغيرها .







شارك هذا المقال :

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

 
الدعم : تصميم الموقع | Johny Templateبناءا على تصميم | موقع أسا الزاك
Copyright © 2011. أسا 24 - جميع الحقوق محفوضة
facebook page AssA ZaG
twiter page AssA24